فضاء حر

الاختلاف بين “الدين” و”التدين” و بين “النص” وقراءته

يمنات

حسن الدولة

إلى الصديق العزيز العلامة الباحث والأستاذ الأكاديمي الدكتور أمين الجبر، الذي استفيد من ملاحظاته القيمة، وتعليقاته على بعض المقالات التي انشرها، على صفحتي في الفيسبوك أو فيمجموعات الواتسآب، واتعلم من خلال قراءتي لأبحاثه العلمية الرصينة.

الفرق بين «الدين» و«المتدين»، موضوع ذات صلة بما تناولناه في المقال السابق الموسوم ب :(الفارق بين “الدين” و”الدولة”) الذي أضاءه الدكتور امين الجبر فروق بالقول بأن:”((لكل منهما – إي الدين والدولة – وظيفة مختلفة وموضوع معين، حيث الدين ميتافيزيقي الوظيفة، ذاتي الاعتقاد، بينما الدولة برجماتية الوظيفة موضوعية الأداء، وبالتالي لا يصح المقارنة بين مختلفين، بين معتقد وآلية، بين إيديولوجي وقانوني، بين تجريد وظيفي – وضعي والزام قيمي إلهي – على نحو ان نقول: قانون المرور الاسلامي أو المسيحي .. وهو في المحصلة النهائية عبارة عن اشارات تنظم حركة المرور وحسب لا علاقة له بالدين أو المعتقد)).
وهذا التعليق رغم ايجازه إلا انه يكتنز كل الفروق التي تغياها مقالنا السالف الذكر الموسوم ب: (الفرق بين “الدين” و”الدولة”)..
وهي مقارنة بين متباينين لا تجوز بين دنيوي وأخروي، بين ذاتي وعام، بين غيبي وراهن معاش، بين وظيفتين موضوعية وذاتية، وفضاءين عام وخاص، بين عقيدة – ميتافيزيقية – وبين آلية تنظم علاقات الناس والشعوب حسب الدكتور أمين الجبر..

ونحن في هذا المقال سوف نتناول الفارق ما بين النص وقراءته ، أو بالأصح بين “الدين” و”المتدين” لنقف على ما بين النص وقراءة النص من اختلاف. فالدين الإسلامي مثلاً كونه نصاً منزلاً، بما هو كلام الله في القرآن، هو من ناحية، وبعد دخوله المجال البشري من خلال الوحي، نص مستقل بذاته، مثله في ذلك مثل أي نص آخر.

لكن من الواضح أيضاً أن فهم هذا الدين أو النص وتفسيره وتكييفه من المتدين يخضع لصفاته وقدراته البشرية من ذكاء وخيال وحافظة ومصالح وأهواء وميول، كما يخضع لظروف هذا المتدين وما يمكن أن يتعرض له من إكراهات، وما يدخل فيه من علاقات أو تحالفات، وما يعتريه من طموحات أو حالات فقر أو غنى أو مخاوف … إلى آخره. والمعنى السائد، بل المعنى الوحيد للنص لدى المتدين هو المعنى البشري كما تفرضه صفاته وقدراته وظروفه البشرية، وهو معنى تتحدد معالمه واتجاهاته في لحظة زمنية معينة وفي إطار ظروف بعينها، وبالتالي لا يمكن أن يكون هذا الفهم واحداً لدى كل المتدينين في كل زمان ومكان، بل ربما يختلف هذا الفهم بالنسبة إلى المتدين ذاته، تبعاً لاختلاف الزمان والمكان.

والمثال الأشهر في الأدبيات الإسلامية مثال الإمام الشافعي عندما تغيرت رؤيته الفقهية بعد انتقاله من العراق إلى مصر. يذهب البروفيسور احمد شرف الدين إلى القول بأن النص الديني له قراءات متعددة في الجانب العقدي، وأكثر من ذلك في جانب المعاملات.

ناهيك بـأن هناك القراءة الهرمينوطيقية التي تعنى بفهم الفهم، بحيث يصير النص مع تعدد القراءات عدة نصوص بحسب عدد فرائه، كما ان هناك اختلافا بين طبائع الدين والدولة، والنص وقراءة النص، الدين والمتدين، خلقت مسافات بين هذه المفاهيم ومستتبعاتها، لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها، وهذه الاختلافات والمسافات هي التي فرضت وتفرض درجات من فصل الدولة عن الدين في كل الدول الإسلامية التي جاءت بعد الخلافة الراشدة.

ولهذا السبب، لم تكن الدولة الإسلامية هي السمة الغالبة للتاريخ الإسلامي. ولهذا فأننا لا نجانب الصواب إذا ما قلنا بأن ما قام به اتاتورك هو ثورة تجديدية لبناء دولة اسلامية فأنقذ الدولة العثمانية من الاحتلال الغربي الذي كان قد احتل عاصمة الدولة انقرة واسطنبول، فأشاد بما قام به هذا القائد العظيم حينها العلماء المعاصرون كالامام محمد عبده وشيخه السيد جمال الدين الأفغاني ودبجت قصائد المديح، منها قصيدة امير الشعراء احمد شوقي التي مطلعها:

الله أكبر كم في الفتح من عجب / يا خالد الترك جدد خالد العربي

ولم يظهر العداء للدولة المدنية إلا بعد ان تأسست جماعة الإخوان المسلمون الذين رغفوا شعار الاسلام دين ودولة ولم يسبقهم إلى ذلك احد من المسلمين ثم حذو حذوا الكنيسة في محاربة الدولة المدنية وعلمنة الدولة، وإذا كانت المسيحية الغربية قد اتخذ الكهنوت فيها شكلاً مؤسساتياً، فإن هناك كهنوتاً إسلامياً وإن لم يتخذ شكلاً مؤسساتياً مماثلاً؟

أليس غياب الشكل المؤسساتي هذا هو ما سهل للدولة كمؤسسة في التاريخ الإسلامي السيطرة على الدين (غير الممأسس)، على عكس ما حصل في الغرب عندما تمكنت مؤسسة الكنيسة من إخضاع مؤسسة الدولة لسيطرتها..؟ الحقيقة أن الدول الإسلامية في مختلف مراحلها التاريخية عرفت الفصل بين الدولة والدين، وإن بدرجات متفاوتة، لكنها لم تكن دولاً علمانية.

إن نقول بأن هذه الدول الإسلامية قد عرفت الفصل فهو أمر طبيعي، أولاً لاختلاف الدين عن الدولة، وثانياً لاختلاف المتدين (الذي يؤمن بالدين) عن الدين نفسه، وثالثاً لأن الدين، باعتباره النص المنزل، يختلف عن قراءة هذا النص وتفسيره وتطبيقه، أي أن النص غير قابل لقراءة واحدة محل إجماع، بل هو بطبيعته خاضع لقراءات وتفاسير متعددة ومختلفة باختلاف الجماعة واختلاف الزمان والمكان، ولذلك دائماً ما تنقسم الأديان بعد مرحلة التأسيس إلى تيارات عقدية متعددة ومدارس فقهية مختلفة، وتبعاً لذلك تنشأ الطوائف والمذاهب.

وهذا على رغم أن جميع هذه التيارات والمدارس تنطلق من مرجع واحد، هو في الحال الإسلامية القرآن في المقام الأول والأساس، ثم السنة النبوية بعد ذلك.فالإسلام لا يعرف الدولة الدينية، ولا المجتمع المقدس ولا يعرف رجل الدين، ولا المؤسسات الدينية”.

والإسلام “ينكر الوساطة بين الإنسان وربه، ويرفض الكهنة والكهنوت”، وبالتالي فهو “لا يحتاج العلمانية ومؤسساتها، لأنه لم يشهد – فكراً على الأقل- تلك الثنائية التي شهدتها أوروبا الكاثوليكية، حيث نشأت العلمانية”.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى